Translate

الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019

الحوار مع الشاعر والمترجم حامد خضير الشمري والذي أجراه د.سعد الحدد

الحوار مع الشاعر والمترجم حامد خضير الشمري
والذي أجراه د.سعد الحدد

عشق الحرف فاخضرّت الكلمة بين شفتيه ، وراح مداده يدوّن همسات العشق أغنيات ساحرة ، لم يكتفِ بعتبة الضاد حتى استقلّ عربة الحروف ليحط رحاله في أبجدية ثانية ... وبين كلمات يصوغها عشقا وأخَر يصوغها انبهاراً يترجل الشمري عن صهوة الشعر ليمتطي صهوة الترجمة تارة أخرى ، وهو في كليهما فارس كما صرّح النقاد بإبداعه ، ونطق المترجمون بأمانته وجمال أسلوبه. حاد في طبعه إلا أمام الحق وليّن الجانب والعريكة ، طيب القلب، لذلك يطلق عليه ( شيخ البادية ) . وهذا الوصف أو اللقب بات ملاصقا له من خلال زاوية أسبوعية يحررها بأسلوبه الساخر بعنوان (مرويات شيخ البادية ) اشتبك فيها وبها مع الطارئين والملوثين والخونة كلهم ، ولم يستثنِ أحدا من أية جهة كان .وقد سببت له مشاكل جمة مع بعض الانتهازيين وتعرض لمضايقات بعض النكرات من أشباه الأميين الذين تسنموا مواقع لا تليق بهم ولا يصلح بعضهم أن يكون بوابا في الدائرة التي صار دكتاتورها العام .
نلتقي الشاعر والمترجم المبدع حامد خضير الشمري في حوار عن الترجمة والمترجمين :

* هل الترجمة إبداع ؟
- الترجمة إعادة خلق وإبداع ، وهي علم وفن .فالنص مومياء في نظر القارئ الذي لا يتقن لغة ذلك النص . وعندما يأتي مترجم ما ويقدمه إليه بلغته الأم فلا بد أن ينبهر لأن يداً بارعة بعثت الحياة في تلك الجثة الهامدة . ويتجلى الإبداع في عملية نقل هذه الغرسة الجميلة من منابتها الأصلية مع الحفاظ على نضارتها وإضفاء مسحة جمالية عليها . أمّا كون الترجمة فنا فهذا يتأتى من كونها عملية تراكمية لا تلغي لاحقتها سابقتها . وبوسع كل مترجم أن يستخدم الأدوات والوسائل نفسها وينتج ما لم ينتجه غيره . وتتجسد عِلْمية الترجمة في انتهاجها نظريات تتوسل طرائق البحث والتقصي ضمن سياقات تقتضيها لغة المصدر ولغة الهدف.

* أين تضع المترجم الحلي ، ومن هم أبرز المترجمين ؟
- يتبوّأ معظم مترجمي هذه المحافظة العريقة مكان الصدارة والريادة في حقل الترجمة المبدعة . وقد حفروا أسماءهم ونقشوا إبداعاتهم دون الاتكاء على أحد ورغم العراقيل التي غالبا ما توضع أمامهم لكنهم تجاوزوها بإصرارهم وتشبثهم بهذا الفن الخلاق الذي لولاه لأبصر الناس بعين واحدة ، فالترجمة نافذة نطل منها على العالم ونستنشق هواءه الصافي ولاغنى لأي بلد في العالم عن الترجمة . أما ابرز المترجمين الذين قرأت لهم فهم الأساتذة : صلاح السعيد ونهاد عبد الستار وحسين علوان وعبد الستار شويلية وعلي الشلاه وباقر جاسم وسليم محمد عيدان وحسن لطيف وأعتذر ممن لم أطلع على نتاجاتهم أو غابت عني أسماؤهم دون قصد . وأنا أسعى جاهدا للوصول الى مستوياتهم في الترجمة والإبداع . ولكن الأمانة تقتضي أن أذكر أن بعضهم ، رغم براعته ، لا يصلح لترجمة الشعر حصرا لأن الكلمات في الشعر لا تؤخذ بحَرْفيتها وإنما بانزياحاتها وظلالها الإيحائية والإيمائية .

* كيف تقيّم الترجمة الأدبية المنشورة في بعض الصحف ؟
- هناك أسماء حين أقرأ لها أطمئن الى دقتها وأمانتها وحرصها على كل لفظة في النص . وهذه الأسماء تشكل معظم ما ينشر في الفضاءات الثقافية ، ولكن ، لكي أكون منصفا ، عليّ أن أطّلع على النصوص الأصلية كلها لأحكم بشكل قاطع وهذا ما لا يمكن . لقد صدمتني بعض النصوص المترجمة بركتها رغم سهولتها في لغاتها الأصلية . أجل ربما تكون الترجمة صحيحة في بنيتها اللغوية لكنها قد تعاني من فقر الدم الإبداعي مما يُنفر معظم المتلقين .

* ما أفضل نص شعري ترجمته ؟
- لو سألتني عن أطول أو أقصر نص لهوّنت عليّ عبء الإجابة ، لكن الصعوبة تكمن في انتقاء الأفضل . القصائد التي ترجمتها شكلت عندي خميلة جميلة من الورود لا أستطيع أن أنحاز الى أيّ منها فكل واحدة تتفوق على الأخرى بسِمة معينة ، أو كالعشيقات اللواتي لا تستطيع أن تصارح إحداهن أو تطريها بحضور الأخريات . ولو خففت عني وطأة السؤال وطلبت أن أذكر لك بعضا من أفضل النصوص لقلت لك إنني أميل قليلا الى قصيدة (استعارة حمراء ) للشاعر اللتواني ( أدوردس مزلايتس ) وقصيدة ( غرناطة ) للروسي ( ميخائيل سفتلوف ) وقصيدة ( قاطع الطريق ) للانكليزي ( الفريد نويز ) . ولا أريد أن أسترسل أكثر فأذكر لك جميع ما ترجمت ، فكل قصيدة عندي هي الأفضل وإلا لما ترجمتها .

* من وقفت أمام نصوصه مذهولا ولم تستطع الترجمة ؟
- لقد وقفت مذهولا أمام جميع النصوص التي ترجمتها . فالشعر يبهرك وينقلك الى عالم سحري ويجعلك تخلع جسدك وتحلق في سماوات لازوردية ويدخلك الى فراديس الحكمة . لكنني لم أصب بالوهن أو التردد او العجز التام عن ترجمة أي نص شعري اعترضني . قد تكون هناك نصوص ثقيلة او عصية عليّ أو على غيري لكنني لم أصطدم بها حتى الآن . وليس عيبا أن أتراجع أمام عقبة كهذه إلا أنني واثق من قدرتي على ترجمة أي نص مهما كانت لغته صعبة أو كان مشفرا أو ملغـّزا حدّ التعمية .

* من أين يستمد الشمري مصادره ، وما هي تلك المصادر ؟
- لدي كمّ هائل من المجلات الأدبية والدواوين باللغة الإنكليزية اقتطعت أثمانها من غذائي و كسائي أيام كنت طالبا في كلية الآداب بجامعة بغداد وبعد تخرجي فيها . كل مطبوع أمامي يذكرني اليوم بوجبة طعام أسقطتها من حسابي أو رداء أجّلت شراءه الى موعد حين أزف أرجأته لأن مصدرا في هذه المكتبة أو تلك كان أكثر إغراء لي منه .

* لماذا ترجمت الشعر, هل لأنك شاعر؟
- ترجمة الشعر هي الأصعب . إنها المحك الذي تقيم كفاءة المترجم على أساسه . ومترجم الشعر لا يصعب عليه أي نص في حقول المعرفة الأخرى . والشعر بالنسبة لي أسمى فن .وكما أوحى الله الى النحل وأخرج من بطونها عسلا ألهم بعض خلقه موهبة الشعر . وفي هذا بعض من النبوءة وبضعة من النبوة . وقد تعلقت بالشعر في عمر مبكر . وكنت أرى الشاعر مخلوقا أثيريا أو مرحلة وسطى بين البشر والآلهة . وكنت أتمنى أن التهم شعر العالم كله وهذا ما دفعني الى دراسة اللغة الإنكليزية التي نفذت منها الى مروج الشعر العالمي قراءة وترجمة . وعندما تشدني قصيدة رائعة أرى من الإجحاف أن أكتفي بقراءتها فأسعى جاهدا لإطلاع غيري عليها . وتشكل ترجمة الشعر الجزء الأعظم مما ترجمت حتى إنني لم أترجم إلا عددا محدودا من القصص التي وجدتها تعبق برائحة الشعر . ولو لم أكن شاعرا ( كما يقولون ) لما جازفت في ترجمة الشعر ، أما أنا فلم أقل ولا أقول ولن أقول بأنني شاعر أو مترجم وأترك هذا الأمر لغيري . وقد عنفني بعض أصدقائي وأحبتي على بخسي حقي وغبني نفسي بنفسي !

* متى تذهب الى القاموس؟
- القاموس صديق كل مترجم بارع وأستاذه الدائم . وعندما أغص بكلمة أغترف من نهره المتدفق ما يطفئ ظمأي وينظم تردد أنفاسي . وغالبا ما ألجأ إليه حتى في الكلمات التي أعرفها جيدا ليطمئن قلبي أكثر وأنام قريرا بعد أن أكمل قطف زهوري وتنسيقها في أصصها الجميلة .

* أدب أي شعب أقرب الى نفسك في الترجمة ؟
- لو ذهبت الى البحر ورأيت الماء يستحم بأجساد الصبايا الفاتنات فأي شيء يبهرك أكثر : الجمال العائم أمام عينيك أم قوميات تلك الحوريات ؟ في سؤالي هذا جواب لسؤالك . ولكي أفصح أكثر أقول : إن العالم مسقط رأس الشعر . وأحس بالإنشداد والانحياز الى أي نص جميل أيا كان انتماؤه . ولأن الأدب الحقيقي غير المؤدلج لم يكمل حتى الآن إصدار هوية أحواله الشخصية فليس بوسعي إلا أن أبادله الحب دون ان أدقق بإيالته

* هل تتفوق ترجمة نص من لغة معينة إذا ما أنجزها مترجم من تلك اللغة نفسها ؟
- دقة الترجمة منوطة أصلا بقدرة المترجم وامتلاكه أدواتها لا بانتمائه القومي . فلو أخذنا قصيدة لشاعر انكليزي مثلا، فمن يترجمها أفضل : أهو مترجم انكليزي يتقن اللغة العربية أم مترجم عربي يتقن اللغة الانكليزية ؟ قد تتفوق الترجمتان أو تتخبط إحداهما . إن إتقان المترجم للغتين اللتين يتوسط بينهما صرفا ونحوا وبلاغة وعروضا أمر لابد منه . وبما أن اللغة الهدف هي المحط الأخير فعلى المترجم أن يبرع فيها ويبدع أكثر سواء كانت لغته الأم أم اللغة المكتسبة .

* يفقد النص روحيته عند ترجمته... فماذا تقول ؟
- لا أتفق معك في هذا الرأي ، وألتمس لك العذر لأن هناك مترجمين لايترجمون بل يرجمون النصوص . أو لأن النصوص بلا روح أصلا .تبقى روح النص طافحة بالحياة حتى لو ترجم الى مئات اللغات ولا يضيع منه إلا ما علق به من مواد تجميل فائضة عن الحاجة . وأجزم أن بعض التراجمة البارعين يضفون الى النص حلاوة أكثر بما اكتسبوه من مهارة تسد ثغرات النص في لغته الأم .

* أين مشروعك في ترجمة نصوص من الشعر الحلي ؟
- عندما طرحت مشروعي هذا في اتحاد الأدباء قبل عقد من السنين استجاب بعض الشعراء بشكل فوري وأرسلوا إلي نصوصهم فقمت بترجمتها حالا . وهي نصوص يتفوق بعضها على كثير من الشعر العالمي . وتلكأ الآخرون وكأنني أستعطي منهم . وقد نشرت بعضا من النصوص الحلية المترجمة في مجلة أهلة وجريدة بغداد التي كانت تصدر باللغة الانكليزية . وترجمت لبعض الشعراء دواوين نشر بعضها داخل العراق وخارجه . وكنت ولا أزال أتمنى إصدار مجلة باللغة الانكليزية تعنى بالأدب عموما أو الشعر حصريا لكي ننقل أصواتنا الى العالم ليرى كم هو عظيم شعر العراق وكم هم عمالقة شعراء وادي الرافدين الذي يشكل الحليون ثقلا هائلا بينهم .

* ما رأيك بالترجمة من أو عن لغة وسيطة ؟
- إن معظم ما يترجم من شعر عالمي ينجز عن طريق لغة وسيطة غالبا ما تكون الانكليزية لانتشارها عالميا . وهناك لغات تستحيل الترجمة عنها بشكل مباشر . لقد اطلعت شخصيا على نصوص لشعراء روس ترجمها الى العربية عراقيون يتقنون اللغة الروسية . واطلعت على تلك النصوص نفسها باللغة الانكليزية فوجدت ترجمتها عن اللغة الانكليزية أجمل بكثير من ترجمتها عن اللغة الأم .وقرأت تراجم لقصائد عربية قديمة اختارها (نكلسون ) و
( آربري ) فأذهلتني النصوص الانكليزية بروعتها بعد أن نفضا عن أبياتها رمال الصحراء وطوقاها بأكاليل الورد . وإذا ما ترجمت هذه القصائد الى اللغة الألمانية مثلا عن الانكليزية فأنها ستكون أفضل بكثير مما لو ترجمت عن العربية مباشرة .

* من هو الشاعر العالمي الذي نال نصيبا اكبر في الترجمة ؟
- أعتقد أن الشاعر الداغستاني( رسول حمزاتوف ) يأتي في المرتبة الأولى . لقد ترجمت قصائده الى لغات العالم كلها . ولا يوجد شعب على وجه الأرض لم يسمع به أو يقرأ له لأن الجميع يحسون كأنه يكتب نيابة عنهم . وتعطي قصائد هذا المبدع أنفسها بسهولة فلا غموض فيها ولا رموز عمياء ، تستسيغها الذائقة في كل زمان و مكان وقد كتبت أصلا بـ (الأفارية ) ، وهي لغة لأقلية تقطن في مقاطعة منعزلة نسبيا ، ويتركز معظم الناطقين بها في قرية صغيرة .لقد رحل حمزاتوف قبل بضع سنين بعد أن ترك سفيرا لقريته في كل بقعة من بقاع العالم .

* كيف تتعامل اليوم مع الشعر العالمي والحصول على نصوص معاصرة ؟
- روح الشعر لا تهرم . وليس هناك شعر قديم أو شعر معاصر إطلاقا ، بل هناك شعر كتب منذ زمان وشعر كتب توّا . وما يعد اليوم كلاسيكيا كان حداثويا في زمانه ، فالمصوغات الذهبية التي اكتشفت حديثا وقدر عمر بعضها بخمسة آلاف سنة قبل الميلاد لا يختلف ذهبها عن تلك التي ستصاغ بعد خمسة آلاف سنة من الآن. لقد كنت أحصل على بغيتي من شارع المتنبي قبل أن يلتهمه المغول ومما يرسل إلي أحيانا من خارج العراق . واليوم أصبحت مائدة الانترنيت عامرة بما تشتهي الأنفس الظمأى للمعرفة على الرغم من اختفاء الإشارة أحيانا أو انقطاع الكهرباء الآبقة دوما.

* كيف يتعامل الشمري مع الموسيقى والإيقاع والعروض بشكل عام ؟
- المترجم متهم بالخيانة أصلا . وإذا ما حاول الإبقاء على هذه الكائنات الجميلة في الترجمة فسيحكم عليه بالخيانة العظمى دون تردد أو تأجيل لوجود الشهود وأداة الجريمة ، ولن يغير تمييز الدعوى شيئا في ذلك . أما بالنسبة لي فأنا أسقط هذه المجوهرات الثمينة عند شروعي في ترجمة أية قصيدة لأنها ستطبق على عنق هذه الفاتنة وتقطع أنفاسها فتسلم روحها بين يدي . لقد نجحت في ترجمة قصائد عالمية الى شعر عربي موزون ومقفى لكنني أضفت وحذفت فجاءت النصوص وكأنني شاعرها لا مترجمها . وفي هذا إجحاف للطرفين .

* ما نصيب الدراسات والبحوث الأخرى من الترجمة لديك ، ولماذا ؟
- أجد نفسي في ترجمة الشعر حصرا ، ولا أميل الى ترجمة أي شيء سواه ما لم أجد فيه نبضا شعريا أو شاعريا . للدراسات والبحوث فرسانها . وظبية جميلة تمد عنقها وتهمس في قلبي أفضل عندي من قطيع من الوعول .

* كيف يستفيد المترجم من نصوص ترجمها سابقوه ، وكم استفدت من ذلك ؟
- قد يستفيد المترجم المبتدئ من الإطلاع على نص ترجمه شخص أكفأ منه فيقتدي بطريقته في إعادة بنائه .أما أنا ، وبعد ما يزيد على ثلاثين عاما في الترجمة والنشر ، فلم أعد بحاجة الى مطابقة نصين لكي أقتنص كلمة هنا أو عبارة هناك .وقد حدث العكس بالنسبة لي ، فقد نشرت نصوصا لي وأخرى مترجمة سرعان ما تلقفها غيري ووجد كل شيء جاهزا أمامه فلم يجهد نفسه إلا برفع إسمي، ووضع اسمه مكانه أو التمويه في هذا الموضع أو ذاك !

* لو أتيحت لك فرصة لترجمة شكسبير، هل ستفعل ذلك ؟
- لن أفعل ذلك على الإطلاق . لماذا أضيع وقتي وجهدي بترجمة روائع سبقني إليها خيرة المترجمين مرات عدة ؟ ومع ذلك فقد ترجمت بعض سونيتاته الخالدة ونشرت قسما منها وقيل أنها توازي أو تقترب مما أبدعه شيخ المترجمين الراحل ( جبرا إبراهيم جبرا ).

* هل نقدت التراجم التي لم تصل الى المستوى الإبداعي المطلوب ، ومن هم مترجموها ؟
- من مصائبنا الثقافية إنك ما لم تمدح الآخر ، رغم ركته ، فأنه يناصبك العداء . وحين تتصدى لنتاجه فكأنك تطلق النار عليه ، مما يعطيه مبررا لكي يرديك قبل أن تمد يدك الى قلمك. وحتى لا أستفز أحدا أو أكتسب عداوته ، غالبا ما أسقط الأسماء في أي مقال ساخن أنشره واضعا ثقتي بما تحت ألآباط من أعنز تمعّي فتفضح أصحابها . لقد قرأت تراجم لنصوص لدي أصولها فهالني ما فعل المترجمون بها ، وفيها ما هو فاضح يسقط الهيبة و الهالة اللتين تحيطان بالبعض . وهناك تراجمة ذبحوا روائع الشعر العالمي حتى آخر قطرة إبداع .ولو أنهم أخطأوا بكلمة أو بيت لهان الأمر . والأفظع من هذا أنهم عادوا بعد أسابيع ونشروها ثانية فجاءت تراجمهم الجديدة غاية في الدقة والروعة وآية في الجمال ! وبنظرة متأنية اكتشفت أنهم سرقوها بالحرف الواحد من مصادر أخرى . ولقد رددت على بعض هذه التراجم الممسوخة أو المنسوخة بأسلوب مغاير فلم أنتقد الترجمة أو المترجم بل ترجمت النص ونشرته في المطبوع نفسه لكي أمنح مترجمه السابق فرصة كافية لمقارنة الترجمتين بالنص الأصلي وأوصل إليه رسالتي بشكل بليغ .

* لماذا الميل الى الشعر الروسي ؟
- قد تفاجأ إذا قلت لك إنني قليل الترجمة للشعر الروسي رغم عظمته وثقله العالمي . وما ترجمته من شعرٍٍ محسوبٌ على الروس وليس شعرا روسيا . إنه شعر لقوميات وقعت تحت الهيمنة الروسية طيلة الحكم الشيوعي إبان الحقبة السوفيتية . وقد بدأت هذه القوميات والدول تتنفس من جديد وتشكل هوياتها الثقافية الحديثة . لقد ترجمت قصائد عديدة لشعراء من : جورجيا و داغستان و أرمينيا و كازاخستان و أوكرانيا و لتوانيا و لتونيا و أستونيا و مولدافيا و وتركمانستان و قرغيزيا و أذربيجان و أنغوشيا و الشيشان و أبخازيا و أوزبكستان و بلكاريا كابردينو و لقوميات لم يسمع بها أحد من قبل مثل الننت و اليوكاكير و ياكوتيا و الجوكجي وغيرهم . وكذلك ترجمت قصائد لشعراء من روسيا ومختلف قوميات العالم . ولا أعتقد أن أحدا غامر في ذلك مثلي .

* هل تتمنى قيام جمعية خاصة للمترجمين ؟
- تمنيت ذلك منذ أمد بعيد . ولا يزال الأمل يداعب مخيلتي بقيام جمعية للمترجمين يترأسها مبدع لا يتفنن في سرقة اشتراكات الأعضاء ، أو ينهب الممتلكات كما يفعل رؤساء بعض (القمعيات ! ) الذين لا يبتسمون إلا يوم الانتخابات ، ولا هدف لهم إلا التملق للسلطة أيا كانت ، والتزاحم لالتقاط صورة تذكارية مع بعض النكرات والحروف الزائدة التي تبحث لها عن أي محل من الإعراب .

* هل حاولت الاتصال بشعراء ترجمت لهم ؟
- لقد اتصلت بجميع أولئك الشعراء حتى الأموات منهم، وتحدثت اليهم ، واسمعوني أفضل ما عندهم، وأحسست بنبضات قلوبهم وخفقات أرواحهم ، وأطلعوني على خفيّ مشاعرهم وأسماء حبيباتهم ، ومواعيدهم الحميمة التي كتموها عن أقرب الناس اليهم . لقد رفعنا الكلفة فيما بيننا فكنت أذهب اليهم في أية لحظة أشاء أو أوجه اليهم الدعوة فيلبونها على عجل ويجلسون معي في غرفتي المتواضعة أو على السطح ، أو تحت ظلال أشجار أثقلتها ثمارها في بواكير الصباح أو في الهزيع الأخير من الليل . وبعد أن تنفضّ جلساتنا كنا نتصافح ونتبادل القبل ويودع أحدنا الآخر بانتظار تراجم جديدة لنصوص أكثر روعة !!

* ما عدد النصوص التي ترجمتها ؟
- لقد نشرت مئات النصوص ولدي أضعاف هذا من النصوص العالمية الرائعة تنتظر النشر . ولازلت متواصلا مع الترجمة بشكل منتظم. رائع هو الشعر المترجم لا تذبل وردته ولا تتعفن فاكهته عندما تقطفها وتركنها في خزانتك أو في دفاتر الأيام . لقد نشرت مؤخرا قصائد ترجمتها في سبعينيات القرن الماضي فكانت ضاجّة بالحياة وكأنها كتبت أو ترجمت توأً .

* الى أي مدى يجب أن يكون المترجم أمينا في نقل النص ؟
- لكي لا يسرق المترجم نفسه عليه أن يكون أمينا في نقل الصورة الشعرية قبل كل شيء حتى لو اقتضى ذلك منه الإطاحة بتراتبية الأبيات أو الفائض من الكلمات المقحمة أصلا لمقتضيات الوزن والإيقاع والقافية ولكن الى أدنى حد ممكن ، فلا بد من الخسارة خاصة في ترجمة الشعر، والمترجم البارع من يقلل من هذه الخسارة ويعوض الإصابة بإكسير الإبداع حتى لا يوضع وليده في حاضنة الخدّج .

* هل واجهت صعوبة في النشر؟
- لم يرفض لي أي نص مترجم . أما قصائدي فقد حجب بعضها عن النشر لا لركتها بل لقوتها وتجاوزها الخطوط الحمر وجرأتها التي تثير فزع كثير من المحررين رغم ادعائهم بالديمقراطية . ولدي الآن نصوص لا يجازف بنشرها إلا مغامر . وأنا مدين لك بنشر أحدها . وقد أضحك أحد المحررين عيني دما وهو ينشر نصا لشاعر رائد مبدع في زاوية ( كتابات شابة ! )المكرسة لتشجيع الموهوبين في بداية مراهقتهم الأدبية . ولا أستغرب أو أستبعد ان يركنني أحدهم في ( بريد القراء ! ) وينصحني بمراجعة ( القراءة الخلدونية ) أو ( كيف تتعلم أو تتكلم اللغة الانكليزية في ثلاثة أيام بدون معلم ) فبعض الصحف الكسيحة يحرر أقسامها الثقافية متسكعون لا يرون فرقا بين ( المبني للمجهول ) و( نصب الجندي المجهول ) ولا يميز بين ( العريف ) و ( "أل " التعريف ) !!

* وأخيرا هل أنت راضٍ عن نفسك ؟
- ليس المهم أن أكون راضيا عن نفسي ، ولكن الأهم أن تكون هي راضية عني . وحسبي أنني حافظت على وضوئي الثقافي ولم أنقضه بالتواطؤ أو التراطن مع المحتلين الذين يشكل " الحديث " معهم " حَدَثاً " لا يطهره تيمم أو غسل . ولم تمتد يداي أو عيناي الى اللحم " الأخضر " ولن ، ولو ازدردت لساني والتهمت التراب .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق