Translate

الأحد، 30 يونيو 2019

أغاني الصموت تصدح عالياً .. ساطع الجميلي

أغاني الصموت تصدح عالياً
قراءة في مجموعة الشاعر ولاء الصواف

ساطع الجميلي


يقول هارولد بلوم ان لكلمة معنى جذور تقود الى فكرة أو قصد وترتبط بكلمة أنين أو شكوى تلك القصيدة ، ذاتها ،فالقصائد نفسها تعلمنا كيف تعمل على تحطيم نفسها أي الشكل لخلق المعنى أو الافصاح عن أنين خاص ، أما الشكل فقد عرف عند بيرك في الادب بأنه ( إنارة الرغبة واشباعها) وهذا لا يأتي إلا من الجاهزية التامة التي هي جزء من العطاء في أي مجال كان ، اذن هناك حضور للأدوات الحسية والمعنوية والوسط المحيط هو البساط التي تقوم عليه بناء القصيدة .
الشاعر العراقي ولاء الصواف أصدر مجموعته الشعرية ( أغاني الصموت) عام 2018 عن دار الصواف للطباعة والنشر كان لها صدى ووقع بين أوساط الأدباء والمهتمين بالشأن الأدبي الشعري ، آثرت مراجعتها فكانت لي هذه القراءة الاولى لها .
تبدأ المجموعة بإهداء تضمن ( الى حبل الغسيل الأزرق لأرجوحتي) وهنا يبرز سؤال بخصوص التركيز على اللون الأزرق في محطات الصوّاف الشعرية ، يقول الشاعر محمود درويش ( إنَّ التشابه للرمال وأنت للأزرق ) فلطالما ألهم اللون الأزرق الفنانين لارتباطه بالطبيعة والسماء والبحر والعيون ، فعلماء النفس يقولون ان شعبية صفة اللون يجذر نمونا التطوري فالإنسان الصياد يتعرض للسماء والمياه الصافية ومن هنا أصبح هذا اللون وصفاً مميزاً بين الالوان أما الارجوحة التي ذكرها واستخدمها الشاعر ترتبط بالحبل وربما أراد الشاعر من خلال ذلك الانكفاء جانبا والجلوس بحرية ذهابا وايابا ويرى الاشياء كأنها تصعد وتنزل أمامه وكذلك للأرجوحة اسطورة رومانية فهي رمز ديني وروحي مقدس ( عن لطفي سعيد).
أولى القصائد الطوال ( هذا أوان البنفسج) أيضا تضمنت لون وهو البنفسج انفتح الشاعر صوب الوجود بسماواته بنجومه بفصوله بأسرار آلهته فكانت رحلة الوجود والمفردة المعبرة وطابع الدهشة والخروج عن المألوف فيقول في القصيدة آنفة الذكر ص9 ( مثل نجمة / في سماء سابعة / أرقبها / أشدُّ الضوء/ فيهمي على العشب/ لون الضحى/ فيا آلهة الخصب / استميحك عذراً / لأني أزهرتُ في الخريف).
يشعر الشاعر بالفخر حين يحاول ايقاظ وبعث الحياة في تفاصيل الوسط الذي يضمه فيقول في ذات القصيدة : ( يا آلهة الخصب اشهدي / اني ضفرت للوردة جدائلها / فتنفس العطر فيها / وأيقظت لحناً / من بعد دهر صموت ) ، يحاول الشاعر استفزاز الوسط بفنه الشعري فيستنفر مخياله الى أقصاه لأجل توفير مستلزمات القصيدة بانزياحات جديدة مغايرة يدخل بها جولة ما بعد الحداثة وما بعدها . التناص كتابة نص على نص أي أن يستشهد الشاعر بنص ما لينتج لوحة فسيفسائية أو قطعة موزائيك من زخارف متنوعة فطغت وظيفة الجمالية على وظيفة التوصيل أو أنهما أديا غرضيهما معا عندما أنجز الشاعر القصيدة الاولى ( هذا أوان البنفسج )بخاتمة كانت بمثابة تأمل ثاقب نجم عن ومضة داخلة حاذقة: ( اني اصطفيتكِ / دون آلهة الزهر رباً / وارتضيتكِ نجمةً / وآمنتُ بكِ عطرا ).
وفي نص ( دقيقة صمت ) ص 38 ، لم تكن دقيقة انما أزمان من العوالم والالم النفسي والبشري يتجلى في ان هذا الالم والحرمان فيه من العتب والرثاء الكثير والصور ناطقة بأحلام المغيبين وكل الذين خسروا أحلامهم وما يملكون فكانت أزمان صمت بالإنابة فهو يقول في بعض سطورها : ( سأقرأ جرحاً لمّا يزل يلثغ بالآه / سأقرأ ما تناسل من حروبي / فتحاً فتحا / وما انهمر من الردى / ساعة الصفر).
قصائد الشاعر ولاء الصواف لم تغادر الطبيعة والمرأة إلا قليلا أو أنها مادة أغلب القصائد ، والصورة النفسية هي المنحنى المعبر عن أغراض الشاعر لأغراض الطبيعة والاسطورة والمرأة ، بل هي رحلة مع ألم النفس، وطبيعة الصورة لدى الشاعر الصواف تأتي من منظور مستوى وظيفي وخيال رابض مع الحالة الشعورية اليومية .
في قصيدة ( الفزاعة ) ص30 يفصح الشاعر عن ذاته بألم ويستعرض عوالم الاحتراق في بعد جمعي يمر من خلال فعل تواصلي باتجاهات كثيرة ،وبما ان النص الشعري يقوم على التشكيل والبناء والايماء وتبعا لذلك تنوعت توظيفات الشاعر لمكنونات رؤياه الشعرية في أروقة وزوايا القصيدة ، ففي زاوية من زوايا القصيدة آنفة الذكر يقول : ( فزاعة أنا يا أبي / تسحرني هداة الأهداب / حين يغازلها الندى / وتطربني رعشة الشفتين / لو رانها خدر) والقصيدة المذكورة آنفاً تمثل ماهية الشاعر ورد فعل وافصاح صادق عن ذات بيضاء ازاء ما يراه من واقع حوله .
وفي قصيدة ( فكرة بيضاء مثل سحابة ) ، استطاع الشاعر أن يوظف أكثر من فكرة وموروث واسطورة وتناص في بضعة سطور من النص وعلى النحو التالي كما في ص45 .
( مغارتي باردة / لا مريم لي ولا رعاة / أطرافي موشاة بندب المسامير / لا مواريث لا مزامير / ولا سرب قطاة يبسم لي / لا زمزم بطعم التوت / ولا نبي بعكاز يفلق البحر البعيد )
المغارة ـــ مريم ، مزامير ــــ داود ، ندب المسامير ـــ عيسى ، سرب القطا ـــ العباس بن الاحنف ، زمزم ــــ بئر في مكة ، نبي يفلق البحر ـــ موسى .
واضح من خلال ذلك انه نتج عن الاستخدامات آنفة الذكر تشكل نص جديد من مسميات سابقة بحيث يغدو النص خلاصة لمرموزات اختصرت المكان والزمان معا ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق