عصام الفتلاوي
قصـة ..
:: الراعــي والجَـبَـل ::
واضب على كسب رزقه بمهنته المتواضعة..ولم يكن ينأى بنفسه عن الفخر بما كانت تجلبه تلـك الصنعة إلى خلجاته من آفاق لتخريجات حول مطبات كان يعدّها في صنوف المحال..لكن طموحه الجامح في فضــاءات فلـك رحب كان أوسع مما يهمّه من حرج الموقف..وأسمى من مجرّدات النزوع إلى محدودية الوازع المادّي...
لم تكن ميوله روحانية الغايات..ولا تطلعاته تربو لغدق المولوّيات..كان يصبو من هذا غرفة.ومن ذاك جرعـة.. حتى إذا أصاب نصيبا ً منه سرى بين هاتيك البراري الجائعات وأنغمس في طيات تلكم الرمال العـطـشـى...... باحثا ً عن نبت ٍ فيشبع به قطيعه ُ المسكين..ويروي بشغفه المائع أغنامه الهائمات في واد ٍ ذي زرع ضــنيــن..
وصل إلى شموخ قد برز على تلـك الأرض الصامتة..فجاء على سفح أخضر ينبض بما تقصده الأغنام في كـل سويعا تها العاجلة..فأخذت ترتع وتلعب مبتهجة ً كما لو أن القدر قد وافاها بكل ما تأمله من رحلتها في حياتها... بينما أنكفأ ذلـك الراعي يتفحّص تداخلات السفح وتعرّجاته..فترك العنان لبصره ليسافر إلى ما إنتهى إليه مـــــن
قمـّـة عالية تزخرُ بلوازم الثـبات والكبرياء..كان جبلا ً يثـِبُ شامخا ً تعلو هامته تلـك الـقــمم الـتي تكــاد تـلـكُم السحاب دونما وجل..وتداني السماء بغير نصب..إنتبه الراعي إلى أغنامه وقد أخذت كفايتها من المرعى حتـــى بدأت تلوذ ببعضها لاهية وممتـنـّة ً لذلـك السفح الذي لم يبخل على فضولها فأشبعها وأتخم غرائزها..فــي حيــن ظـلّ سائقها الهزيل يلتفت إلى أعالي السفح الـمُـنحدر..فيرى نبعـاً كريمـاً قد أصدر فروعـاً له لكنه بقي عاليـــــاً في ذ ُراه ينطق عن صولات وجولات..يردفها بأخرى سُـبلاً تعرُج معبّدة ً حيناً وتتشعبُ في مراميها حيناً آخر. فلبث الراعي الهـُمام يطيل النظر لتلك الأفانين العجيبة..يحدّق بشكل غريب بالقمم العالـيات الشاهـقـات.. فـيـدنـو بذهنه المزدلف من إعتلاء نواصيها تارة ً..ويضطرب بالتشبّث بتلابيب السفح الواقع على أمّ رأسه بعيــداً تارة أخرى فيستهويه صعود ذلـك المنحدر وإمتطاء السفح المتعرّج فولوج حواضر الأنتهاء بالقمم..وتكتنفه نزعـــة الشطحات الدواهي في خضوع الجبال لفانيات الأوهام التي تتملك جوانحه في بعض خلجات خيالاته المبعثــرة بين السفوح والجبال الراسيات..كان القطيع الذي يلهو بجانبه أكثـر نشاطاً مع قلة إدراكـه..وضـآ لة حكمته ... فمن غير المعقول أن يجرؤ على رفع طرفه المطأطأ أمام عتوّ الرواسي..وليس من ديدنه أن يرغب بما ليـــس في حدود لجامه..فهو يكرع ما جاد على قدرته طاغية القدر..ويرضخ منقاداً إلى هيبة ذلـك الطود الوثــّاب في جبروته..فأضلـّت ذلـك الراعي المتـّزن إطلالة تكاد تلتهم أفكاره..وزيـّنت سابغات ذهنه إلتفاتة مشرقة لاتغـدو إلا ّ في قلب ٍ سليم..فدبّت في جوف سويدائه غمامة من التساؤلات..إحداها يتوالى بأساليب شتى..وواحــد هـــا
يترى كأنه رماح الصيادين على أرض دارت بها حرب طاحنة..فالأول يلتفّ ُ حول عامود من دخــــان...... آذنـاً بهبوط الجبال ليمتطي هامها دون أن يقوم من مقامه..وليعتلي قممها بغير سعي أو طريق يسلكه..... فلا هبط الجبل ولا طار ذلـك الرجل..أما ذاك الآخر فيخظع لأسباب الفكر والطموح والعــرفــا ن.... فـليس من أكاليل وهم تستحوذ على بصيرته ولامن خداع نظر يلجم بصره الحديد..فقد ذابت بين هــذا وذاك صروح الجليد التي بناها من رقاقات مخيـّلته..وعاد يلملم ُ شتات حذاقته لينشيء جبلا ً حياً في دواخله وراح يدنو من قممه الساميات ليرتشف رحيق الحقيقة..قاذفاً بـأرصدة الخيالات الكاذبة إلى أسفل الجـبــا ل..... متواضعاً ينزل فيتسافل فيدنو من أجواء أغنامه فيرعاها ويقودها إلى حيث مستقرّها..فلا تتمـرّد.ولن ترفض رعاية حاديها..حتى يرى عبرة في نفسه فيقتنصها..ويركنها في زوايا الفؤاد العديدة..بعدها عـلم الـــراعي أن الجبال لها أحكام تسري بين جوانحه..وأن الحكمة من مصدر معاشه هي الإنتفاع من أسباب الخلـــق..... فلا قممـاً تهـوي..ولا سفوحـاً تعرُج..ولـكن العقـل يتسامى..ويرتقي بذي الحجى إلى غـــا يتــــــــــه.....
\ العراق
قصـة ..
:: الراعــي والجَـبَـل ::
واضب على كسب رزقه بمهنته المتواضعة..ولم يكن ينأى بنفسه عن الفخر بما كانت تجلبه تلـك الصنعة إلى خلجاته من آفاق لتخريجات حول مطبات كان يعدّها في صنوف المحال..لكن طموحه الجامح في فضــاءات فلـك رحب كان أوسع مما يهمّه من حرج الموقف..وأسمى من مجرّدات النزوع إلى محدودية الوازع المادّي...
لم تكن ميوله روحانية الغايات..ولا تطلعاته تربو لغدق المولوّيات..كان يصبو من هذا غرفة.ومن ذاك جرعـة.. حتى إذا أصاب نصيبا ً منه سرى بين هاتيك البراري الجائعات وأنغمس في طيات تلكم الرمال العـطـشـى...... باحثا ً عن نبت ٍ فيشبع به قطيعه ُ المسكين..ويروي بشغفه المائع أغنامه الهائمات في واد ٍ ذي زرع ضــنيــن..
وصل إلى شموخ قد برز على تلـك الأرض الصامتة..فجاء على سفح أخضر ينبض بما تقصده الأغنام في كـل سويعا تها العاجلة..فأخذت ترتع وتلعب مبتهجة ً كما لو أن القدر قد وافاها بكل ما تأمله من رحلتها في حياتها... بينما أنكفأ ذلـك الراعي يتفحّص تداخلات السفح وتعرّجاته..فترك العنان لبصره ليسافر إلى ما إنتهى إليه مـــــن
قمـّـة عالية تزخرُ بلوازم الثـبات والكبرياء..كان جبلا ً يثـِبُ شامخا ً تعلو هامته تلـك الـقــمم الـتي تكــاد تـلـكُم السحاب دونما وجل..وتداني السماء بغير نصب..إنتبه الراعي إلى أغنامه وقد أخذت كفايتها من المرعى حتـــى بدأت تلوذ ببعضها لاهية وممتـنـّة ً لذلـك السفح الذي لم يبخل على فضولها فأشبعها وأتخم غرائزها..فــي حيــن ظـلّ سائقها الهزيل يلتفت إلى أعالي السفح الـمُـنحدر..فيرى نبعـاً كريمـاً قد أصدر فروعـاً له لكنه بقي عاليـــــاً في ذ ُراه ينطق عن صولات وجولات..يردفها بأخرى سُـبلاً تعرُج معبّدة ً حيناً وتتشعبُ في مراميها حيناً آخر. فلبث الراعي الهـُمام يطيل النظر لتلك الأفانين العجيبة..يحدّق بشكل غريب بالقمم العالـيات الشاهـقـات.. فـيـدنـو بذهنه المزدلف من إعتلاء نواصيها تارة ً..ويضطرب بالتشبّث بتلابيب السفح الواقع على أمّ رأسه بعيــداً تارة أخرى فيستهويه صعود ذلـك المنحدر وإمتطاء السفح المتعرّج فولوج حواضر الأنتهاء بالقمم..وتكتنفه نزعـــة الشطحات الدواهي في خضوع الجبال لفانيات الأوهام التي تتملك جوانحه في بعض خلجات خيالاته المبعثــرة بين السفوح والجبال الراسيات..كان القطيع الذي يلهو بجانبه أكثـر نشاطاً مع قلة إدراكـه..وضـآ لة حكمته ... فمن غير المعقول أن يجرؤ على رفع طرفه المطأطأ أمام عتوّ الرواسي..وليس من ديدنه أن يرغب بما ليـــس في حدود لجامه..فهو يكرع ما جاد على قدرته طاغية القدر..ويرضخ منقاداً إلى هيبة ذلـك الطود الوثــّاب في جبروته..فأضلـّت ذلـك الراعي المتـّزن إطلالة تكاد تلتهم أفكاره..وزيـّنت سابغات ذهنه إلتفاتة مشرقة لاتغـدو إلا ّ في قلب ٍ سليم..فدبّت في جوف سويدائه غمامة من التساؤلات..إحداها يتوالى بأساليب شتى..وواحــد هـــا
يترى كأنه رماح الصيادين على أرض دارت بها حرب طاحنة..فالأول يلتفّ ُ حول عامود من دخــــان...... آذنـاً بهبوط الجبال ليمتطي هامها دون أن يقوم من مقامه..وليعتلي قممها بغير سعي أو طريق يسلكه..... فلا هبط الجبل ولا طار ذلـك الرجل..أما ذاك الآخر فيخظع لأسباب الفكر والطموح والعــرفــا ن.... فـليس من أكاليل وهم تستحوذ على بصيرته ولامن خداع نظر يلجم بصره الحديد..فقد ذابت بين هــذا وذاك صروح الجليد التي بناها من رقاقات مخيـّلته..وعاد يلملم ُ شتات حذاقته لينشيء جبلا ً حياً في دواخله وراح يدنو من قممه الساميات ليرتشف رحيق الحقيقة..قاذفاً بـأرصدة الخيالات الكاذبة إلى أسفل الجـبــا ل..... متواضعاً ينزل فيتسافل فيدنو من أجواء أغنامه فيرعاها ويقودها إلى حيث مستقرّها..فلا تتمـرّد.ولن ترفض رعاية حاديها..حتى يرى عبرة في نفسه فيقتنصها..ويركنها في زوايا الفؤاد العديدة..بعدها عـلم الـــراعي أن الجبال لها أحكام تسري بين جوانحه..وأن الحكمة من مصدر معاشه هي الإنتفاع من أسباب الخلـــق..... فلا قممـاً تهـوي..ولا سفوحـاً تعرُج..ولـكن العقـل يتسامى..ويرتقي بذي الحجى إلى غـــا يتــــــــــه.....
\ العراق