Translate

الثلاثاء، 18 فبراير 2020

الماء .. د. ابراهيم مصري النهر

د. ابراهيم مصري النهر

الماء

ركنت السيارة بلونها النبيتي اللامع في الشارع الرئيس بالمدينة وصعدت إلى العيادة، نزلت بعد ساعات قليلة لأتعرف عليها بالكاد من تحت ثوبها الفحمي، تراكم عليها غبار حفر الرصيف لوضع أنابيب الغاز، وبالأمس لوضع مواسير الصرف الصحي، وأول أمس لوضع مواسير مياه الشرب.
أمسكت أوكارة الباب بمنديل ورق، ضغطت على ذراع المساحات وقبضت على المقود، في الطريق رن الجوال، صوت زوجتي (البنت الصغرى ”ابنة الستة أشهر“ تتقئ وتسهل بعد أن أعطيتها لأول مرة قليلا من ماء الحنفية)، عرَّجت في طريقي على الصيدلية.
في اليوم التالي ركبت ابنتي ابنة الشتاء الرابع السيارة معي، قامت بتشغيل المساحات مع رذاذ الماء، صاحت أغسل لها وجهها كما أفعل كل صباح لتبدو جميلة، مُحِقة فالزجاج مفوَّم كالذي نراه في السيارات الفارهة التي يركبها عِلْيَة القوم، أصحاب المناصب الحساسة ورجال الأعمال حتى لا نراهم وهم يروننا من خلفه باللون الغامق، لون العبيد.

اليوم أختي تنتظرني أعطيها الفوطة لتمسحها لي،
وفي الطريق وجدت صديقا ينتظر مواصلة فأخذته معي، أول كلامه سؤال لولبي يستفسر عما إذا كانت المياه مقطوعة عندنا؟
لم تسعفني بديهتي لأستشف المعنى البعيد الذي يقصده من أول وهلة، لم يتركني لكرمه أفكر طويلا، واسترسل معقَّبا على سؤاله ومتهكما بأن سد النهضة لم يعمل بعد.
فطنت إلى مقصده، وذهبت إلى مغسلة يعمل بها شاب أطال شعره على الطريقة الليبية، يرتدي كاسكيت عليه أحرف لكلمة باللغة الإنجليزية لم أتمكن من قراءتها لكثرة حركته والتفاتاته، يشعل لفافة تبغ بعد أن أفرغها وأعاد حشوها ثانية.

أوقفت السيارة على مجرى الغسيل، أدار ماكنة تمتص ماءها من ترعة مجاورة، يُخدِّم عليه طفل ابن العاشرة أظنه تسرب من التعليم، لم يكن الشاب راضيا عن أي عمل يقوم به الطفل، عندما أمسك بالخرطوم ليرش السيارة بالماء ليتحمل بالشحم والزيت ومسحوق الغسيل وإلى الترعة يرجع ثانية، انقض عليه لطما وصفعا وركلا، فاغرا فاه صائحا ”يا حمار“
والطفل بين براثنه يئن ”ماشي ياسطى“
والخرطوم مرمي على الأرض ينزف.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق