Translate

الثلاثاء، 21 مايو 2019

أدغال المزرعه .. عصام الفتلاوي

عصام الفتلاوي

عـنـــوان القـصــة ..
:: أد غــا ل الـمــزرعـــة  ::         

أوحت إليه غرائزه المسالمة وآماله المهووسة في لحظة كان ينتظرها بفارغ الصبر..أنّ ثمّة خيوط لإنبلاج قد لاحت في الأفق عندما تبين له أن منيـّة مالك المزرعة التي كان يعمل فيها قد دنت حينما جائت بشائر الفرحة من بعيد وقد تذكر خلالهـــا ذلـــك المــزارع المـتواضع حجــم الإستبداد والجشع الذي كان يمارسه على أمثاله من المستخدمين والساكنين في جوار البستـــان الفخم.فقدإسترجع في ذاكرته المنهارة ماآلت إليه حا له بعد أن خدعه ذلـك الطاغية في إستغلال جهوده المضنية في إستصلاح أرض المزرعة على أن يفي بوعوده له بتمليكه جزءاً يـسيـراً من مساحتها المترامية الأطراف..فقضى عمره وهو يعمل ويذود عن تـلــك الأرض ويـحلــــم بإنقضاء سنيّ الشقاء والحيف..حتى أزف موعد ذلـك اليوم الذي بعث الأمل في نفسه من جديد في قرب نهاية حياة ذلـك المتعجرف المستبد..لم يكن بإستطاعته أن يخفي بوادر بهجتـه إثـــــر ذلـك الخبر المفاجيء..أملا ً بتحقيق نزرٌ يسير مما كان يصبو إليه في ريعان أيام شبابه الـــذي تلاشى بين ذرات تراب مزارع المترفين الفارهة بات شيخنا الـفــلا ّح يلحـظ ملامـح التهـجــّم والوجوم على وجوه حاشية مالك المزرعة المتهاوي..فما أكثر بطشهم...وما أشـدّ إستهتارهـــم بالآخرين عندما كانوا في أوج سلطانهم في عهد كبيرهم الذي كاد أن يرحل عن هــذه الـد نيــا فيتركهم دون معيل ولاحادٍ..كانوا يتكاثرون بطريقة غريبة فيأمرون وينهون دون وجه حـــــق ولا رادع من ضمير أو ملـّة..حتى أن النبتة التي يغرسها في أرض المزرعــــة كانــت تكبـــر وتشبّ مع نسلهم الخبيث كأنّها تخشى يوماً أن تمتدّ أياديهم لتقطفها في غيــر أوانهـــا إن هــي تماهلت في النمو وطرح الثمار..كانت الأدغال المريبة تنمو إلى جانبها..فلم تعد في طمأنينـــة من قدرها خوفاً من تلـك الأدغال النابتة وأحتمالية سُميتهـا وخبثـها..وكانوا كذلـك يتـرعرعون
في دواخلهم على شحذ أنياب الأنانية ويتدربون على أساليب إقتناء الوحشية بأقسى ضروبهـا.. حتى أن تلكم الحاشية العتيدة لم تكن لتـثـق حتى ببعضها فضــلا ً عــما دونهــا مــن العـاملــين والساكنين على أرض المزرعة الواسعة..وعاش صاحبنا المكافح لحظات من الأمل المبعـثـــر على مفترق طرق متشعّبة يراها في خظمّ خيالاته سالكة ً معبّدة..لكنها في الواقع وعرة شديدة الإلتواء.لحظات من السعادة طافت على ذهنه التوّاق للعيش بسلام تناسى خلالها ذلـك المفجوع كلّ آلام الجراح..ونأى بضميره المسكين عن كــلّ سنـوات الحرمـان واللـوعــة..فمـا كانت إلاّ سويعات قليلة حتى أعلن في كلّ أرجاء البستان نبأ وفاة مالكه المتسلــّط الجـبّار..فأخذت ذلـــك الفـلاّح نشوة كبيرة راح وزملائه يمرحون ويحتفلون بأن سيعود الحق إلى أصحابه وينعمـون بما أفتقر إليه طيلة تلكم السنين العجاف..ولم تمرّ غير أيام بعد ذلك الابتهاج الوجــــــيز..حتــى قرروا أن يطـهّـروا أرض المزرعة من سموم الأدغال الملتصقة بتربة الأرض الطيبة التــــي رووها من عرق أجسادهم المنهكة طوال عمرهم الذي ولىّ ولم يبق منه إلا ّما يكفي لوصولهم إلى قبورهم التي تنتظرهم ليستقروا في أحضانها يوما من الأيام.إذ أنهم قد اكتشفوا أن الأدغال  قد نمت في كنف أعوان ذلـك الظالم وقد زرعت أرضهم من أصناف شتى منها فقاموا بـتقــليم لما كانوا يروه با ئنا ً أمام أعينهم حتى إذا غفلوا للراحة أو لغيرهــا إستفحــل نموّهــا وأخـذت تنغرس في تلـك الأرض تنشر سمومها وأسقامها بين بقية النبات اليانع الزاهر..حتى وصلــت الحال بهم إلى تغيير حصة إرواء المزرعة بالمياه التي تحتاجها لكي تنمو المزروعات التـــي يرجون منها نفعاً وفائدة خشية أن ينمو معها نبات الدغل الخبيـث التي تركت جذوره تزحــف في أطناب الأرض من غير أن يستأصلوا شأفته أول مرّة بعد رحيل مغتصب أرضهــم بـــــل
كانوا يسقون المزرعة حينها غير آبهيـن بخطر أدغال المزرعة الذي ترعـــرع فـي أحضــان الظلم والقهر والدم..كان الدغل لا ينمو بالماء في أول عهده إلا ّ حين يسقى بدماء عبيطة لبنــي البشر الذي لابد وأن يخلط دمائه مع الماء الـذي يفــرزه جســده من جــرّاء النصب  والإنهــاك ليرتوي ما كان يبحث عنه ذلـك الطاغية المتجبر الذي كان يغتصب بساتينهم وأراضيهم وثمارهم..الآن وقد حجبوا الماء فقد ماتت المزروعات وبقي الدغل يرتوي بالدم الذي يراق من أجساد اليتامى..فأخذ صاحبنا الشيخ ينظر إلى أديم أرضه بإمعان..وخطرت له فكرة ً بحرث الأرض من جديد لاستئصال جذور تلـك الأدغال المريضة من باطن أرضه المعطاءة..
وإذا بها تحيى فتزدهر بجريان الميـاه الصـافيـــــة…..

 العراق

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق