عصام الفتلاوي
عنـــــوان القــصـــــة ..
:: الأ عــــــرَ ج ::
كان مسجد القرية لايبعد عن منزله سوى بضعة عشرات من الأمتار..وقد إعتاد أن يقطع أضعاف تلـك المسافة قبيل حين من الزمان دونما عناء ومن غير تذمـّر أو عراقيل..لكـن الفتى قد أصابه عارض لم يبدُ مفاجئاً له بحكــــــــم ظروفه التي كان يمرّ بها في ذلـك الوقت..مما حدا به أن يلزم منزله الجاثم بين مرتفعات يكسوها بساط من الخضـــــرة الساحرة..ذلـك لينأى بنفسه الجريحة عن مسببّـات الحرج ويبتعد بذاته عن منغـّصات العيش الكريم كما هو دارج فــــي أبجديات حساباته المفعمة بالخواطر والتخاطر ضمن واردات الواقع..ذاد بثورة حماس ٍ قل ما يكتنف أوارها سقيفــــــة طموحاته وتحيط مقوماتها سُبات آماله الغافيات..أخذ يتطـلـّع لإجتياز عتبة باب الدار النحاسية المتآكلة بفعل عوامــــــل الطبيعة وأجواء الطقس وصولات الأنواء الماكرة.. فحاول أن يمشي ببطء ٍ شديد في حالة إرتباك حتى ولو كان لوحـد ه لايطـّـلع عليه أحد قبل أن يصل تلـك العتبة الملعونة..أخذ يلقي بثقل جسده الضخم على إحدى قدميه التي لم تتـعــــرّض لأذى ليترك الأخرى تخط ّ ُ الأرض خطاً لتلتحق بالكاد بأختها وقد ضربت ما تحتها ضرباً كأنها تنتقم مــنها لعـــــــد م مطاوعتها لتلكم القدم المعلولة..حتى وصل إلى تلـك الباب فمسك بتلابيبها متـّـكئاً على جانبها العريض وقد إتشـّـــــــــح بطبقة من الغبار مع شيء من الرطوبة التي تحوّ لت إلى مادة لزجَة تدهن ما يلامسها فتطبع نقشها على جلابيبـــــه أ و جلدته الملساء..وقع نظره على بناية ذلـك المسجد الشاخصة أمام منزله العتيق دون حواجب قائمة ولا حواجز تفصلـه. فتساقطت أمام عينيه في ثنايا ذلـك الموقف أيامه الماضيات كما تتهاوى أوراق الشجر في رابعة النهار أيام الخريـف..
فتمثــّـلت لديه إلتواءات الخطايا وبرزت بذهنه أرصدة الآثام الممتلئة عند قوائم حساباته التي ينساها كل حين ويتناساها بين الفينة والأخرى خلال عقود العمر التي خفـُـت أوارها..وسابت لدى إصابة جسده نهاياتها..يفتش بين ساعاتها لعلـّه يجد ما يدفع عزيمته لئن تمتطي صهوة المجهول الآتي..ويبحث بين طيات السنين الطويلة عساه يلفي ما يكون ذ ُخــرا له في القادم من مراحل العمر الذي بات في سباق محتدم مع سياط الزمن القاسية..فلم يعثرعلى ضالــّـته المنشــــود ة..ولم يظفر بتلكم الأمنية الوحيدة..فتبيـّن في لحظة أنّ حياته المنفرطة من بين يديه لم تكن سويّة بما يكفي ليتمتـّع بعاقبــة قد أزفتْ.. ولكنها كانت ذات أيام عرجاء حولاء ترى صور الأمور رأساً على عقب..فتتعامل مع تلكم المفردات بألوان لم تعهدها حتى أصول الطيوف في حواضن الشموس ولم تبتكرها هالات أنوار البدور التي تتخذ من كبد السماء عرشا لسلطا نها.. ومن أفئدة الصالحين ملاذاً منيراً آمناً لإشراقاتها نحو أصحابها المندوبين..إلتفت إلى بادرةٍ قد نمت فــــــــي أغوار ضميره الذي أنفتح بالكاد أخيراً..وتولــّـد لديه حافز نشأ عند إكتساب الحرج نتيجة الأفكار الذاوية المنصرمة... وأراد مواصلة ذلـك المسير المتأرجح بإتجاه المسجد الرابض على جادّة الطريق ..فخطى خطواته الأولى بصعوبـــــة كان قد شهدها في باكورة سنيّ جهالته..وتبعها بالأخرى وكانت أعقد من أختها..توقــّـف برهة ً..وألقى نظرة عقيمــــة على تلـك الطريق وقد حلّ في منتصفها فوجد أنه قد قطع المعـبّـد منها..وقضى السالك من الأرض المبسوطة فنـــــأى المنزل.. فإرتمى طرفه في عمق ذلـك الأفق الرحب..ولم يبق من الطريق إلا ّ جانبها المعقوف.. وأرضها التي تمتلـــيء بالحفر والكثبان الترابية والصخور الصلدة..رمق ببصره تلكم البناية التي تزدان بالأنوار..وحبس أنفاسه تلهـّـفاً لبلوغ المسجد الذي يقبع في نهاية الطريق الذي يتخلــّـله ركام النصَـبِ والمعاناة والألم..عزم أن يواصل تخطيه رغم ضيــق الهوى الذي يهجس به..ونوى أن يخوض التجربة المرعبة لأول مرّة مجرّ داً عن مقاصده الغابرة وبعيداً عن مآربــــه المعتادة..أخذ يمشي بهدوء وأتزان حاملا ً فوق كاهله إعاقته التي لايمكن أن تفارقه..فتسير معه حيثما وطأة قدمـــــاه بقعة أرض بقدرها..فتخـطـّ أثراً لم يتشابه يوماً ولم يفترق ساعة ً..وبينما هو كذلـك وفي غمرة ذلـك الكفاح الشاقّ إ ذ يحمل قدماً ويذر الأخرى تغوص في تلكم المطبـّات..يرى ذلـك الضوء الساطع ماثلا ً بين يديه وقد طليت ثيابه بغبار السفر الطويل..واصطبغ جسده العليل بعرق خطوات المشوار الذي لم يبدأ بعد..فدخل عتبة المسجد وإرتمى بيـــــــــن أحضانه..فأحسّ بوطر ٍ من الدفء والسكينة..ولم يأبه بمشوار العودة فيما بعد.........
العراق
عنـــــوان القــصـــــة ..
:: الأ عــــــرَ ج ::
كان مسجد القرية لايبعد عن منزله سوى بضعة عشرات من الأمتار..وقد إعتاد أن يقطع أضعاف تلـك المسافة قبيل حين من الزمان دونما عناء ومن غير تذمـّر أو عراقيل..لكـن الفتى قد أصابه عارض لم يبدُ مفاجئاً له بحكــــــــم ظروفه التي كان يمرّ بها في ذلـك الوقت..مما حدا به أن يلزم منزله الجاثم بين مرتفعات يكسوها بساط من الخضـــــرة الساحرة..ذلـك لينأى بنفسه الجريحة عن مسببّـات الحرج ويبتعد بذاته عن منغـّصات العيش الكريم كما هو دارج فــــي أبجديات حساباته المفعمة بالخواطر والتخاطر ضمن واردات الواقع..ذاد بثورة حماس ٍ قل ما يكتنف أوارها سقيفــــــة طموحاته وتحيط مقوماتها سُبات آماله الغافيات..أخذ يتطـلـّع لإجتياز عتبة باب الدار النحاسية المتآكلة بفعل عوامــــــل الطبيعة وأجواء الطقس وصولات الأنواء الماكرة.. فحاول أن يمشي ببطء ٍ شديد في حالة إرتباك حتى ولو كان لوحـد ه لايطـّـلع عليه أحد قبل أن يصل تلـك العتبة الملعونة..أخذ يلقي بثقل جسده الضخم على إحدى قدميه التي لم تتـعــــرّض لأذى ليترك الأخرى تخط ّ ُ الأرض خطاً لتلتحق بالكاد بأختها وقد ضربت ما تحتها ضرباً كأنها تنتقم مــنها لعـــــــد م مطاوعتها لتلكم القدم المعلولة..حتى وصل إلى تلـك الباب فمسك بتلابيبها متـّـكئاً على جانبها العريض وقد إتشـّـــــــــح بطبقة من الغبار مع شيء من الرطوبة التي تحوّ لت إلى مادة لزجَة تدهن ما يلامسها فتطبع نقشها على جلابيبـــــه أ و جلدته الملساء..وقع نظره على بناية ذلـك المسجد الشاخصة أمام منزله العتيق دون حواجب قائمة ولا حواجز تفصلـه. فتساقطت أمام عينيه في ثنايا ذلـك الموقف أيامه الماضيات كما تتهاوى أوراق الشجر في رابعة النهار أيام الخريـف..
فتمثــّـلت لديه إلتواءات الخطايا وبرزت بذهنه أرصدة الآثام الممتلئة عند قوائم حساباته التي ينساها كل حين ويتناساها بين الفينة والأخرى خلال عقود العمر التي خفـُـت أوارها..وسابت لدى إصابة جسده نهاياتها..يفتش بين ساعاتها لعلـّه يجد ما يدفع عزيمته لئن تمتطي صهوة المجهول الآتي..ويبحث بين طيات السنين الطويلة عساه يلفي ما يكون ذ ُخــرا له في القادم من مراحل العمر الذي بات في سباق محتدم مع سياط الزمن القاسية..فلم يعثرعلى ضالــّـته المنشــــود ة..ولم يظفر بتلكم الأمنية الوحيدة..فتبيـّن في لحظة أنّ حياته المنفرطة من بين يديه لم تكن سويّة بما يكفي ليتمتـّع بعاقبــة قد أزفتْ.. ولكنها كانت ذات أيام عرجاء حولاء ترى صور الأمور رأساً على عقب..فتتعامل مع تلكم المفردات بألوان لم تعهدها حتى أصول الطيوف في حواضن الشموس ولم تبتكرها هالات أنوار البدور التي تتخذ من كبد السماء عرشا لسلطا نها.. ومن أفئدة الصالحين ملاذاً منيراً آمناً لإشراقاتها نحو أصحابها المندوبين..إلتفت إلى بادرةٍ قد نمت فــــــــي أغوار ضميره الذي أنفتح بالكاد أخيراً..وتولــّـد لديه حافز نشأ عند إكتساب الحرج نتيجة الأفكار الذاوية المنصرمة... وأراد مواصلة ذلـك المسير المتأرجح بإتجاه المسجد الرابض على جادّة الطريق ..فخطى خطواته الأولى بصعوبـــــة كان قد شهدها في باكورة سنيّ جهالته..وتبعها بالأخرى وكانت أعقد من أختها..توقــّـف برهة ً..وألقى نظرة عقيمــــة على تلـك الطريق وقد حلّ في منتصفها فوجد أنه قد قطع المعـبّـد منها..وقضى السالك من الأرض المبسوطة فنـــــأى المنزل.. فإرتمى طرفه في عمق ذلـك الأفق الرحب..ولم يبق من الطريق إلا ّ جانبها المعقوف.. وأرضها التي تمتلـــيء بالحفر والكثبان الترابية والصخور الصلدة..رمق ببصره تلكم البناية التي تزدان بالأنوار..وحبس أنفاسه تلهـّـفاً لبلوغ المسجد الذي يقبع في نهاية الطريق الذي يتخلــّـله ركام النصَـبِ والمعاناة والألم..عزم أن يواصل تخطيه رغم ضيــق الهوى الذي يهجس به..ونوى أن يخوض التجربة المرعبة لأول مرّة مجرّ داً عن مقاصده الغابرة وبعيداً عن مآربــــه المعتادة..أخذ يمشي بهدوء وأتزان حاملا ً فوق كاهله إعاقته التي لايمكن أن تفارقه..فتسير معه حيثما وطأة قدمـــــاه بقعة أرض بقدرها..فتخـطـّ أثراً لم يتشابه يوماً ولم يفترق ساعة ً..وبينما هو كذلـك وفي غمرة ذلـك الكفاح الشاقّ إ ذ يحمل قدماً ويذر الأخرى تغوص في تلكم المطبـّات..يرى ذلـك الضوء الساطع ماثلا ً بين يديه وقد طليت ثيابه بغبار السفر الطويل..واصطبغ جسده العليل بعرق خطوات المشوار الذي لم يبدأ بعد..فدخل عتبة المسجد وإرتمى بيـــــــــن أحضانه..فأحسّ بوطر ٍ من الدفء والسكينة..ولم يأبه بمشوار العودة فيما بعد.........
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق