عصام الفتلاوي
قصة قصيرة بعنوان ... ( عقدها الدرّي ) ..........
حلـّت ظيفة على بلدة صغيرة ولكنها متشعبة الحواري..كانت هيئتها تنمّ عن وقار شديد..كانت تمشي وكأن الأرض تتلاقف خطواتها لئلا يسبقها إليها فراقها جراء خفة وطئها لها..وكانت تبعث بنظراتها الحارة وكأن الآفاق تحتضنها بشغف قبل أن تتلاشى فـــي زحمــة الصدى المنبعث عن ملايين من أمثالها..وقفت وقفة خفيفة ثم تابعت سيرها بخطى ٍحثيثةً..وكأن شيئا ً ما يوجهها.يرشدها.أخذت تلك الفتاة الوقورة تتلفت بطريقة يبدو على صاحبتها أنها تبحث عن أحد لاتعرف عنوان مسكنه..غير أنه في هذه البلدة..عند تلك القرية في ذلك الحيّ..لاتبدو عليها آثار الإعياء من فرط ذلـك البحث المضني..بل أنها تسبح في غمــرات الحماس الذي يمتد عن غاية لايمكـن أن يفهـمها إلا ّ ذلـك الـشـخص الغـائـب عن عـينيـهـا الحوراويتين..الحاضر في فؤادها النادر التواجد والمحمّل بأعباء السفر والتوق لذلك اللقاء القريب..تابعت سيرها المفعم بالخطى الـواثقـة والـتفكيـر المـلائـكي حتـى وجـدت جماعـة مزدحمة من الناس..لم تشأ أن تعكـّر صفو أحد منهم في محاولتها الإستفسار عن ضــالـتـهـــا كي لايسيء الظن من في قلبه مرض..ولا يفهم مقصدها في غير محلـّه..لكنها فرحة ًتبدو في أحسن حالاتها وأروعها..لم تنتبه حين أوقفها عجوز من المارة بجانب تلـك الجماعة... لم ترد أن تحرج المرأة الطاعنة في العمر لأول وهلة..وكأن ذلـك الـعِـقـد الـدري الـذي كانـت ترتـديه يحيط بعنقها قد أوعز لها بالتوقف المفاجيء لتلـك العجوز والحديث معها ..!.بادرتها الأخيرة بقولها أراك غريبة عن هذه الديار أيتها الفتـاة..فـمـا كان منهـا إلا ّ أن أبـتسـمـت لهـــا إبتسامة قد ملكت قلب العجوز التي لاتعرف عمّا ذا تسأل..حينها أجابتها بإتزان غريب نعم...أنني أبحث عن شخص في بلدكم هذا ولابد لي من أن ألتقي به.في هذه اللحظات إنكفأت تبكي دون أن تصدر صوتا ً..وما لبثت إلا ّ أن كفكفت دموعها وأستنشقت شيئا ًمن الهــواء الطلـــق الذي يعمّ أجواء البلدة الهادئة في يوم ربيعي تتقاسمه أريحيات ساكـنيـه ويعـجّ بتنـاغــم الأمــل الكبير الذي يحدو عُـشاقـه في مفردات حياتهم البسيطة..حتى سألها أحدهم وفي نفسه أن يبدي لها المساعدة فيما هي تبحث عنه..ما إسمه ...؟ ما عنوانه..؟ ما صفاتـه..؟ فأجابت بـلا تــردد ولا خوف من إتهامها بشيء من الجنون أو العته..أما وإني لا أعرف إسمه..ولـيس لـدي أيـــة معلومات عن عنوانه..ولكن أعلم بصورة اليقين الذي لا يشوبه شك عـن شـيء مـن صفاتـه..فهو عال ٍ في سماته..يركن في الدنيا إلى صومه وصلاته..مقـِـلّ ٌ في شططه وهفـواتــهُ...عـقـدهُ الدري قرآنه وتوراتهُ..عنـدها بـُهت من كان يستمع إليها..ولم تتلق إجابة عما يدور في خلدها..واصلت مسيرها المطمئن في تعقب آثاره..وعقدها الـدّري يقودها..تتفحّص الطـريـق.. نعم هذه خطواته..نعم ..هذا دليل ثباته..أخذت تجول في ذلك الشارع المؤدي إلى حارة سكناه.. تروح ..وتجيء..غير عابئة بتلـك النظرات الصادرة ممن يرقبونها..فهي كانت تخشـاهـا أول مرّة ولكن كأنها في حالها هذا لاتلحظ إلا ّ نظراته..غارقة في معرفة متاهاته.. وصلت إلــــى ذلـك الزقاق..دخـلت..مشت خطوات وخطوات تابعت .. و ذلـك العقـد الـدّري يقودها..إلـــــى أن دارت في ثنايا حومتها خلال دهاليز الزقاق..خطفت من أمام دار متواضع ليس له شرفة... ولا يرزح تحت عنوان أو صفة..تباطئت خطواتها الحثيثة..كأن جاذبية الأرض من تحتهــــا تـثـقِـل وطئها وإتجاهها..توقفت قبالة ذلك المنزل المهاب حيث الهـدوء والسكينــــة.....كأن الصخب العارم يغادر محيط تلك الدار ..فلا يقرب منها لشدة هيبتها وخشيــة إنــدثــاره في أحضان العدم المتناهي بعيدا ً..بعيدا ً..إنتبهت..وعـقـدها الـدريّ يقودها.نعم هذا هو المنزل المنشود..ها هو النور الذي ينبعث من فنائه يكاد يخطف بصري..دنت من بابه..وهي واثقـــة تغرق في رحاب الحقيقة..ترتعش فصائلها شوقا ً لذلك الآدمي الروحاني صاحب النور الذي بحثت عنه في أقطار الأرض بلا وهن ولا كللْ..حتى جاءت اللحظة الحاسمة عند عتبة الدار. أرادت أن تطرقها بضربٍ من ضروب الأيمان الراسخ..مدت يدها وإذا بالباب تفتح قـبل أن تصل أنامل أصابعها البيضاء إليها..تلاقت وجها ً لوجه مع فتاة دون عمرها قليلا ًوقبــل أن تسألها تلك الشابة عن ما ترجو..بادرتها ..أهي أنت ..؟..ودون أن تنتظر إجابتها....قالـت لها ..نعم هي أنت ...قالت ومَن أنتِ..؟؟..وكانت إجابتها بلا تحفظ...لـقــد أجـبتـي عـن سؤالك ..أجل هي أنــا ...لقـد وصلـت إلـى غايتك ولكن بعـد أن تنهـي شـوطــا ً لـــم تبــلغـيه بــعـــــد.........
العراق
قصة قصيرة بعنوان ... ( عقدها الدرّي ) ..........
حلـّت ظيفة على بلدة صغيرة ولكنها متشعبة الحواري..كانت هيئتها تنمّ عن وقار شديد..كانت تمشي وكأن الأرض تتلاقف خطواتها لئلا يسبقها إليها فراقها جراء خفة وطئها لها..وكانت تبعث بنظراتها الحارة وكأن الآفاق تحتضنها بشغف قبل أن تتلاشى فـــي زحمــة الصدى المنبعث عن ملايين من أمثالها..وقفت وقفة خفيفة ثم تابعت سيرها بخطى ٍحثيثةً..وكأن شيئا ً ما يوجهها.يرشدها.أخذت تلك الفتاة الوقورة تتلفت بطريقة يبدو على صاحبتها أنها تبحث عن أحد لاتعرف عنوان مسكنه..غير أنه في هذه البلدة..عند تلك القرية في ذلك الحيّ..لاتبدو عليها آثار الإعياء من فرط ذلـك البحث المضني..بل أنها تسبح في غمــرات الحماس الذي يمتد عن غاية لايمكـن أن يفهـمها إلا ّ ذلـك الـشـخص الغـائـب عن عـينيـهـا الحوراويتين..الحاضر في فؤادها النادر التواجد والمحمّل بأعباء السفر والتوق لذلك اللقاء القريب..تابعت سيرها المفعم بالخطى الـواثقـة والـتفكيـر المـلائـكي حتـى وجـدت جماعـة مزدحمة من الناس..لم تشأ أن تعكـّر صفو أحد منهم في محاولتها الإستفسار عن ضــالـتـهـــا كي لايسيء الظن من في قلبه مرض..ولا يفهم مقصدها في غير محلـّه..لكنها فرحة ًتبدو في أحسن حالاتها وأروعها..لم تنتبه حين أوقفها عجوز من المارة بجانب تلـك الجماعة... لم ترد أن تحرج المرأة الطاعنة في العمر لأول وهلة..وكأن ذلـك الـعِـقـد الـدري الـذي كانـت ترتـديه يحيط بعنقها قد أوعز لها بالتوقف المفاجيء لتلـك العجوز والحديث معها ..!.بادرتها الأخيرة بقولها أراك غريبة عن هذه الديار أيتها الفتـاة..فـمـا كان منهـا إلا ّ أن أبـتسـمـت لهـــا إبتسامة قد ملكت قلب العجوز التي لاتعرف عمّا ذا تسأل..حينها أجابتها بإتزان غريب نعم...أنني أبحث عن شخص في بلدكم هذا ولابد لي من أن ألتقي به.في هذه اللحظات إنكفأت تبكي دون أن تصدر صوتا ً..وما لبثت إلا ّ أن كفكفت دموعها وأستنشقت شيئا ًمن الهــواء الطلـــق الذي يعمّ أجواء البلدة الهادئة في يوم ربيعي تتقاسمه أريحيات ساكـنيـه ويعـجّ بتنـاغــم الأمــل الكبير الذي يحدو عُـشاقـه في مفردات حياتهم البسيطة..حتى سألها أحدهم وفي نفسه أن يبدي لها المساعدة فيما هي تبحث عنه..ما إسمه ...؟ ما عنوانه..؟ ما صفاتـه..؟ فأجابت بـلا تــردد ولا خوف من إتهامها بشيء من الجنون أو العته..أما وإني لا أعرف إسمه..ولـيس لـدي أيـــة معلومات عن عنوانه..ولكن أعلم بصورة اليقين الذي لا يشوبه شك عـن شـيء مـن صفاتـه..فهو عال ٍ في سماته..يركن في الدنيا إلى صومه وصلاته..مقـِـلّ ٌ في شططه وهفـواتــهُ...عـقـدهُ الدري قرآنه وتوراتهُ..عنـدها بـُهت من كان يستمع إليها..ولم تتلق إجابة عما يدور في خلدها..واصلت مسيرها المطمئن في تعقب آثاره..وعقدها الـدّري يقودها..تتفحّص الطـريـق.. نعم هذه خطواته..نعم ..هذا دليل ثباته..أخذت تجول في ذلك الشارع المؤدي إلى حارة سكناه.. تروح ..وتجيء..غير عابئة بتلـك النظرات الصادرة ممن يرقبونها..فهي كانت تخشـاهـا أول مرّة ولكن كأنها في حالها هذا لاتلحظ إلا ّ نظراته..غارقة في معرفة متاهاته.. وصلت إلــــى ذلـك الزقاق..دخـلت..مشت خطوات وخطوات تابعت .. و ذلـك العقـد الـدّري يقودها..إلـــــى أن دارت في ثنايا حومتها خلال دهاليز الزقاق..خطفت من أمام دار متواضع ليس له شرفة... ولا يرزح تحت عنوان أو صفة..تباطئت خطواتها الحثيثة..كأن جاذبية الأرض من تحتهــــا تـثـقِـل وطئها وإتجاهها..توقفت قبالة ذلك المنزل المهاب حيث الهـدوء والسكينــــة.....كأن الصخب العارم يغادر محيط تلك الدار ..فلا يقرب منها لشدة هيبتها وخشيــة إنــدثــاره في أحضان العدم المتناهي بعيدا ً..بعيدا ً..إنتبهت..وعـقـدها الـدريّ يقودها.نعم هذا هو المنزل المنشود..ها هو النور الذي ينبعث من فنائه يكاد يخطف بصري..دنت من بابه..وهي واثقـــة تغرق في رحاب الحقيقة..ترتعش فصائلها شوقا ً لذلك الآدمي الروحاني صاحب النور الذي بحثت عنه في أقطار الأرض بلا وهن ولا كللْ..حتى جاءت اللحظة الحاسمة عند عتبة الدار. أرادت أن تطرقها بضربٍ من ضروب الأيمان الراسخ..مدت يدها وإذا بالباب تفتح قـبل أن تصل أنامل أصابعها البيضاء إليها..تلاقت وجها ً لوجه مع فتاة دون عمرها قليلا ًوقبــل أن تسألها تلك الشابة عن ما ترجو..بادرتها ..أهي أنت ..؟..ودون أن تنتظر إجابتها....قالـت لها ..نعم هي أنت ...قالت ومَن أنتِ..؟؟..وكانت إجابتها بلا تحفظ...لـقــد أجـبتـي عـن سؤالك ..أجل هي أنــا ...لقـد وصلـت إلـى غايتك ولكن بعـد أن تنهـي شـوطــا ً لـــم تبــلغـيه بــعـــــد.........
العراق
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق